الوافدون العرب... من غير مطرود !


دعونا نتحدث بصراحة أكثر...
فالوافدون عندنا في الكويت وفق الاحصاءات الرسمية تجاوز عددهم 2.5 مليون من أصل 4 ملايين مجموع السكان منهم 55 في المئة آسيويون مقابل 40 في المئة من العرب.

ويمكننا فرزهم (مهنياً) الى ثلاث فئات... وربما (أثلاث):
> الأولى: العمالة المنزلية مثل الخدم والسواق والحراس ومن في حكمهم وجلهم تقريبا من الجنسية الآسيوية.
> الثانية: العمالة البسيطة (الدنيا) مثل عمال الحفر والبناء والنظافة والصيدلة والزراعة ومن في حكمهم، وقد تحولت هي الأخرى في السنوات الأخيرة (تدريجيا) لصالح هيمنة الجنسية الآسيوية.
> الثالثة: شاغلو الوظائف المتوسطة والعليا مثل التدريس والإمامة وصولا للمناصب الادارية القيادية والمرموقة مثل الطب والقضاء والتدريس والتدريس الجامعي، حيث يتركز تواجد اخواننا العرب ومعهم عائلاتهم واعداد كبيرة منهم ولدت وتعلمت وتزوجت وأنجبت في الكويت.


ولأن الفئتين الاولى والثانية أبعد ما تكون عن طموح وتفكير أصغر و(أفقر) مواطن ليعمل ضمنها، فقد يممت كل سياسات وخطط الاحلال (التكويت) الحكومية شطر الفئة الثالثة حصراً وشهدنا على مر العقود الأخيرة سلسلة من القوانين والاجراءات (التضيقية) التي يشعر بها اخواننا الوافدون العرب، ويرون فيها قطعاً لمصادر رزقهم او استنزافا لمدخراتهم، ودعوة (مهذبة) للرحيل... من دون مطرود!!

عقود العمل المقطوعة، نظام الكفيل، رسوم تجديد الاقامة، التأمين للعلاج الصحي، اقساط المدارس الخاصة، الايجارات المرتفعة لشقق أشبه بالاقفاص، شروط التحاق (النوابغ) من ابنائهم بالجامعة والتطبيقي او الحصول على رخصة القيادة ... والقائمة تطول.

استحقاقات مالية واعباء ثقيلة تلازم الغالبية العظمى من المقيمين منذ لحظة ولادتهم او قدومهم للبلد، ودون بارقة امل قريب او بعيد للتخفف... وحتى الوفاة!

ان حصول (الأجنبي) على الجنسية الكويتية كحلم لم يزل تحققه صعباً حتى على المستحقين من فئة (البدون) وأبناء وأزواج المواطنات وغيرهم.


ويغلب على ظني وفي حدود معرفتي ان اكتساب جنسية بلدي هو الاصعب على الاطلاق قياسا ببقية جنسيات الكرة الارضية!!

وأنا هنا لست معنياً بالتفصيل في هذا الملف لأسباب (سيادية) كما يحلو لأهل القانون وصفها!

ولن أعقد مقارنة مجحفة للآخر (الغربي) وبما نسمعه من منطلقاته وقيمه الانسانية والحقوقية المبهرة التي تلزمه بإهداء ضيوفه حق المواطنة الكاملة (غير المجتزئة او المنقوصة)، بعد خمسة أعوام او اكثر قليلا من اقامتهم فيها... نعم لن أقارن.

الا ان سؤالا يتبادر الى الذهن برسم اجابة صناع القرار وسدنة المشورة وخبراء الامن الوطني في بلدي... ما هي المكافأة او الميزة التي يحصل عليها الوافد العربي الشقيق بعد عقود من العطاء المشرف والتفاني الصادق، وبعد ان يفني طاقته ويمضي زهرة حيويته وشبابه بين ظهرانينا بسمعة وسجل امني انصع من بياض الثلج؟!

لماذا لا يجد المقيم المحترم الشريف في قوانيننا و(قلوبنا) فسحة من تقدير ووفاء وقد التزم (حسن السير والسلوك)، لـ10 و20 و30 وربما 40 و50 سنة.

لتتراجع أجمل معاني رد الجميل والثواب المستحق امام جملة من القوانين الجامدة (المتعالية) والتي تظل تصر على تبعية حتى المعمرين من الوافدين لنظام العبودية المسمى بالكفيل وفي الذاكرة والجعبة حكايات وروايات تدمى لها المقل والقلوب!!


ماذا لو سنت الدولة قانوناً إنسانيا حضاريا منحت بموجبه الوافد العربي حق كفالة نفسه او الاقامة الدائمة بعد مرور فترة زمنية محددة، ويمنح بموجب هذه الاقامة بطاقة مدنية (خضراء) وحقوقا واستثناءات خاصة تميزه عن الوافد الجديد، كحقه في تعليم ابنائه في المدارس والجامعات الحكومية، واعفائه من رسوم الخدمات الصحية، وحق تملك الشقق السكنية وحصانة من الابعاد لمجرد ارتكاب مخالفة مرورية وغيرها من الحوافز... والتسهيلات.

أي رسالة ايجابية يمكن ان يرسلها هكذا انصاف وتكريم لهذه الفئة القريبة الحبيبة إلينا، غير المزيد من الولاء والارتياح والاستقرار النفسي، والوطن واهله هما الرابح الأكبر.

ثم أي رسالة (أمنية) في الاتجاه الآخر يمكن ان توصلها هذه اللفتة القانونية والحقوقية لكل وافد وقادم جديد تطأ قدمه للمرة الاولى تراب الكويت وهو يفهم منها ما يحفزه ويشجعه على (الاجتهاد) من الالتزام بالقانون والمحافظة على سجل ذاتي نظيف خال من التجاوزات او تهم الفساد المخلة بالمروءة والشرف كي يتاح له ذات يوم الاستفادة من ذات الميزة التي سبقه اليها اقرانه من المقيمين الشرفاء.

ترى اي انخفاض في اعداد جرائم النصب والاحتيال والاختلاس والرشوة والتزوير والتهريب وما يرتكبها ضعاف النفوس من بعض الوافدين بمجرد احياء الامل لديهم بتطبيق هكذا قوانين، وحين ندرك كدولة ومؤسسات معنية ومواطنين ان تعليق (الجزرة) احيانا يكون أجدى وأنفع بمراحل من مجرد الاقتصار فقط على التلويح (بالعصا)!!